الصالح أيوب.. وحطين الثانية
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الصالح أيوب.. وحطين الثانية
الصالح أيوب.. وحطين الثانية
مدرسة الملك الصالح أيوب
بعد وفاة السلطان الكامل محمد سنة (635هـ= 1238م) تعرضت الدولة الأيوبية في مصر والشام لخطر الانقسام والفوضى، فاستولى الصالح نجم الدين أيوب على دمشق سنة (636هـ = 1239م)، وكان هذا إيذانًا بدخوله في صراع مع أخيه السلطان العادل الصغير بن الكامل الذي خلف أباه على حكم مصر والشام، واستعان كل منهما بأنصار من البيت الأيوبي للوقوف في وجه الآخر، وفي غمرة الصراع قفز عمهما الصالح إسماعيل على "دمشق" واستولى عليها، وطرد الصالح أيوب منها، الذي شاء له القدر أن يقع في قبضة الناصر داود صاحب الأردن والكرك، ثم لم يلبث أن أفرج عنه، واتفقا معًا على القيام بحملة عسكرية على مصر والاستيلاء عليها من قبضة العادل الصغير.
ولاية الصالح أيوب
كانت الظروف مهيأة تمامًا لنجاح حملة الصالح أيوب؛ فكبار أمراء العادل الصغير مستاءون منه لاحتجابه عنهم، وانشغاله باللهو واللعب عن تدبر شئون الدولة؛ فقبضوا على سلطانهم اللاهي واستدعوا أخاه الصالح أيوب لتولي مقاليد البلاد الذي دخل القاهرة في (25 ذي الحجة 637هـ= 17 يوليو 1238م) وجلس على عرشها، واستأثر بها دون الناصر داود.
ولم يرض هذا الموقف الصالح إسماعيل صاحب دمشق، واستشعر الخطر بعد أن نمى إليه أن الصالح أيوب أراد أن يرضي حليفه الناصر داود صاحب الكرك، فاتفق معه على أن يساعده في الحصول على دمشق من الصالح إسماعيل الذي لم يجد قوة تقف إلى جانبه، فسارع إلى التحالف مع الصليبيين ضد الصالح أيوب في مصر والناصر داود في الأردن، وكان ثمن هذا التحالف غاليًا، تعهد فيه بأن يعيد بيت المقدس إلى الصليبيين، ورجوع مملكة بيت المقدس إلى ما كانت عليه قديمًا قبل صلاح الدين.
ولم يضع الصالح إسماعيل وقتًا وقرن عرض الخيانة بالعمل، فبادر إلى تسليم بيت المقدس إلى الصليبيين ومعها طبرية وعسقلان وعدد من قلاع الشام التي كانت بأيدي المسلمين، وأثار هذا التصرف الأحمق غضب المسلمين ونقمتهم في مصر والشام وسائر أنحاء العالم الإسلامي ورفضت حاميات بعض القلاع تسليم الحصون والقلاع، وهو ما دفع الصالح إسماعيل إلى القيام بحملات لتأديب تلك الحاميات لرفضها تنفيذ أوامره، وكانت فرحة الصليبيين طاغية من هذا العمل الذي جاءهم دون أن يضربوا فيه سيفًا أو يخسروا نفسًا، وحصنوا قلعتي طبرية وعسقلان، ورابطوا ما بين يافا وعسقلان.
ضرب تحالف الخيانة
ولكي يغري الصالح إسماعيل جموع الصليبيين على الاستمرار في التحالف وعدهم أن يعطيهم جزءًا من مصر إن ملكها؛ فانطلقوا إلى غزة عازمين غزو مصر، وحضر لمعاونتهم في غزو مصر جيش الصالح إسماعيل، وجيش الملك المنصور إبراهيم الأيوبي صاحب حمص، غير أن القوات الإسلامية كان لها رأي آخر غير رأي قادتها السفهاء، فانضمت إلى الجيش المصري وأبت أن تقاتل إخوانها المسلمين، وكان لهذه الخطوة أثرها؛ فحلت الهزيمة بالصليبين حين تقابل الفريقان، وقتل منهم أعداد كبيرة وسيق الأسرى إلى القاهرة. واضطر الصليبيون إلى عقد الصلح مع سلطان مصر، وإن ظلت بأيديهم بيت المقدس وبعض القلاع التي تنازل عنها الصالح إسماعيل.
استرداد بيت المقدس
ثم لم يلبث أن نشب النزاع مرة أخرى بين الصالحين إسماعيل ونجم الدين أيوب، ووقف الناصر داود هذه المرة مع الصالح إسماعيل، واتفقا على الاستعانة بالصليبيين ضد إخوانهم المسلمين، ولم يجد الصالح أيوب قوة تقف إلى جواره غير "الخوارزمية" الذين تفرقت بهم السبل بعد انهيار دولتهم ومقتل سلطانهم جلال الدين خوارزم شاه، فاستجابوا لدعوته، وقدموا بأعداد كبيرة إلى الشام، واتجهوا إلى دمشق فوجدوها قوية التحصين فتركوها، واستولوا على طبرية ونابلس، وواصلوا سيرهم حتى دخلوا مدينة بيت المقدس في (3 صفر 642هـ= 11 يوليو 1244م) واستولوا عليها دون مقاومة، وكانت هذه آخر مرة يسترد فيها المسلمون بيت المقدس في عصر الحروب الصليبية، وظلت بأيدي المسلمين حتى سقطت في قبضة اليهود في عصرنا الحديث، وهي تنتظر الآن من يفك أسرها ويعيدها إلى حظيرة المسلمين، وندعو الله ألا يطول الانتظار ويعين من يعمل على عودتها.
حطين الثانية
وبعد أن استرد الخوارزميون بيت المقدس واصلوا سيرهم إلى "غزة" واجتمعوا مع الجيش المصري الذي أرسله الصالح أيوب لمحاربة قوات الشام ومن ناصرها من القوات الصليبية، وتقابل الفريقان في معركة غزة في (جمادى الأولى 642هـ = أكتوبر 1244م)، وكان اللقاء رهيبًا، حلت الهزيمة بالصليبيين، وقدرت خسائرهم بثلاثين ألف قتيل وثمانمائة أسير، وكانت هذه الهزيمة أضخم كارثة حلت بالصليبيين بعد معركة حطين سنة (583هـ= 1187م)، وبلغ من أثرها أن أطلق عليها "حطين الثانية".
ولم يلبث أن انفصل الجيش المصري عن الخوارزميين الذين سمح لهم "الصالح أيوب" بالاستقرار في الشام على حساب الصليبيين، وواصل سيره، فأخذ القدس والخليل ودمشق وغيرها، ثم نازل الصليبيين، ونجح في استرداد قلعة طبرية (645هـ= 1247م)، ثم استولى على عسقلان في العام نفسه، وبذلك نجح الصالح أيوب في توحيد مصر والشام تحت سلطانه بعد أن أصبحت القاهرة ودمشق وبيت المقدس في قبضة يده، ووفد عليه في دمشق ملوك البيت الأيوبي الشام لتقديم فروض الولاء والطاعة.
الحملة الصليبية السابعة
أثار استرداد المسلمين بيت المقدس حفيظة الغرب الأوروبي، وارتفعت الأصوات هناك تدعو إلى ضرورة إرسال حملة صليبية جديدة إلى مصر بعد أن ساد الاعتقاد هناك أن مصر ما دامت على قوتها وبأسها فلا سبيل إلى نجاح الحملات الصليبية واستعادة بيت المقدس من أيدي المسلمين، واستجاب لهذه الصيحات الغاضبة "لويس التاسع" ملك فرنسا؛ تحقيقًا لرغبة البابا "أنوسنت الرابع" واستجابة لندائه.
وعلم الصالح أيوب بأنباء تلك الحملة وهو في بلاد الشام، وترامى إليه تجمع الحشود الصليبية في قبرص التي تضم خمسين ألف جندي، وتذكر المصادر التاريخية أن فردريك الثاني إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة، وكانت تربطه صداقة وطيدة بالأيوبيين، هو الذي أرسل رسولاً من قبله تنكر في زي تاجر ليحذر الصالح أيوب من تلك الحملة.
وكان السلطان الصالح أيوب حين ترامت إليه هذه الأنباء مريضًا، فحُمل في محفة إلى مصر، وعسكر بجيوشه جنوبي دمياط عند بلدة أشموم طناح التي تسمى الآن أشمون الرمان بمركز دكرنس التابع لمحافظة الدقهلية، وأمر بتحصين دمياط، وأرسل إليها قوة كبيرة بقيادة الأمير فخر الدين يوسف، وأمره أن يعسكر بالبر الغربي لفرع دمياط، ليحول دون نزول العدو إلى الشاطئ، فنزل هناك تجاه المدينة، وأصبح النيل بينه وبينها.
وصل الأسطول الفرنسي إلى المياه المصرية أمام دمياط في (20 صفر 647هـ= 4 يونيو 1249م)، وفي اليوم التالي نشبت معركة حامية على شاطئ البحر؛ لمنع الصليبيين من النزول إلى البر على الضفة الغربية من النهر، غير أن الأمير فخر الدين انسحب بجنوده المكلفين بحماية المدينة إلى المعسكر السلطاني بأشموم طناح، ولما رأى أهالي دمياط انسحاب الحامية فروا مذعورين تاركين الجسر الذي يصل بين البر الغربي ودمياط قائمًا، فعبر عليه الصليبيون واحتلوا المدينة بسهولة، وهكذا سقطت دمياط في أيدي الصليبيين.
ولما استقبل الصالح أيوب هذه الأنباء غضب غضبًا شديدًا، وأنب الأمير فخر الدين على تهاونه وضعفه، واضطر إلى نقل معسكره إلى مدينة المنصورة، واستمر وهو على فراش المرض ينظم شئون جيشه، في الوقت الذي مكث فيها لويس التاسع في دمياط دون أن يواصل زحفه إلى القاهرة، ولما تحركت قواتهم من دمياط توفي الصالح أيوب في يوم السبت الموافق (12 شعبان 647هـ= 20 نوفمبر 1249م)، وواصلت سيرها في فرع النيل توفي الصالح أيوب في ليلة النصف من شعبان (647هـ=23 من نوفمبر 1249م) فقامت زوجته شجرة الدر بتدبير شئون الدولة بعد أن أخفت خبر وفاته حتى لا تحدث فتنة بين صفوف المسلمين، حتى قدم ابنه توران شاه وتولى قيادة الجيش، وتمكن من تحقيق النصر بمعاونة مماليك أبيه.
شخصية الصالح أيوب
باب المدرسة الصالحية
اشتهر الصالح أيوب بأنه كان مهيبًا عزيز النفس، كثير الصمت، شديد الميل إلى العزلة، على قدر من الكفاية والتدبير والهمة العالية، غير أنه كان ذا سطوة على أصحابه من أمراء دولته متعاظمًا عليهم، ويعده بعد المؤرخين أنه أعظم سلاطين الأيوبيين بعد صلاح الدين.
والصالح أيوب هو أول من أكثر شراء المماليك الترك، وجعلهم أمراء دولته وأهم عناصر جيشه، وألف منهم حرسه والمحيطين به، ومن أجلهم شيد قلعة الروضة على النيل، فاستمدوا منه اسمهم الذي عرفوا به "المماليك البحرية" الذين أقاموا دولتهم بعد مقتل ابنه توران شاه.
ويذكر المؤرخون أنه كان يميل إلى تشييد العمائر والمباني؛ فأقام في مصر مدينة عسكرية أطلق عليها اسم الصالحية، تقع على طرف الصحراء التي تفصل مصر عن الشام، وصارت مركزًا لحشد الجند، وشيد قصورًا عديدة، لكن لم يبق منها شيء.
على أن أثرًا واحدًا من آثار هذا السلطان لا يزال جانب منه قائمًا، هو مدرسته المعروفة بالصالحية، وهي أول مدرسة تجمع بين مذاهب السنة الأربعة، وشيد بها مقبرته.
* من مصادر الدراسة:
مدرسة الملك الصالح أيوب
بعد وفاة السلطان الكامل محمد سنة (635هـ= 1238م) تعرضت الدولة الأيوبية في مصر والشام لخطر الانقسام والفوضى، فاستولى الصالح نجم الدين أيوب على دمشق سنة (636هـ = 1239م)، وكان هذا إيذانًا بدخوله في صراع مع أخيه السلطان العادل الصغير بن الكامل الذي خلف أباه على حكم مصر والشام، واستعان كل منهما بأنصار من البيت الأيوبي للوقوف في وجه الآخر، وفي غمرة الصراع قفز عمهما الصالح إسماعيل على "دمشق" واستولى عليها، وطرد الصالح أيوب منها، الذي شاء له القدر أن يقع في قبضة الناصر داود صاحب الأردن والكرك، ثم لم يلبث أن أفرج عنه، واتفقا معًا على القيام بحملة عسكرية على مصر والاستيلاء عليها من قبضة العادل الصغير.
ولاية الصالح أيوب
كانت الظروف مهيأة تمامًا لنجاح حملة الصالح أيوب؛ فكبار أمراء العادل الصغير مستاءون منه لاحتجابه عنهم، وانشغاله باللهو واللعب عن تدبر شئون الدولة؛ فقبضوا على سلطانهم اللاهي واستدعوا أخاه الصالح أيوب لتولي مقاليد البلاد الذي دخل القاهرة في (25 ذي الحجة 637هـ= 17 يوليو 1238م) وجلس على عرشها، واستأثر بها دون الناصر داود.
ولم يرض هذا الموقف الصالح إسماعيل صاحب دمشق، واستشعر الخطر بعد أن نمى إليه أن الصالح أيوب أراد أن يرضي حليفه الناصر داود صاحب الكرك، فاتفق معه على أن يساعده في الحصول على دمشق من الصالح إسماعيل الذي لم يجد قوة تقف إلى جانبه، فسارع إلى التحالف مع الصليبيين ضد الصالح أيوب في مصر والناصر داود في الأردن، وكان ثمن هذا التحالف غاليًا، تعهد فيه بأن يعيد بيت المقدس إلى الصليبيين، ورجوع مملكة بيت المقدس إلى ما كانت عليه قديمًا قبل صلاح الدين.
ولم يضع الصالح إسماعيل وقتًا وقرن عرض الخيانة بالعمل، فبادر إلى تسليم بيت المقدس إلى الصليبيين ومعها طبرية وعسقلان وعدد من قلاع الشام التي كانت بأيدي المسلمين، وأثار هذا التصرف الأحمق غضب المسلمين ونقمتهم في مصر والشام وسائر أنحاء العالم الإسلامي ورفضت حاميات بعض القلاع تسليم الحصون والقلاع، وهو ما دفع الصالح إسماعيل إلى القيام بحملات لتأديب تلك الحاميات لرفضها تنفيذ أوامره، وكانت فرحة الصليبيين طاغية من هذا العمل الذي جاءهم دون أن يضربوا فيه سيفًا أو يخسروا نفسًا، وحصنوا قلعتي طبرية وعسقلان، ورابطوا ما بين يافا وعسقلان.
ضرب تحالف الخيانة
ولكي يغري الصالح إسماعيل جموع الصليبيين على الاستمرار في التحالف وعدهم أن يعطيهم جزءًا من مصر إن ملكها؛ فانطلقوا إلى غزة عازمين غزو مصر، وحضر لمعاونتهم في غزو مصر جيش الصالح إسماعيل، وجيش الملك المنصور إبراهيم الأيوبي صاحب حمص، غير أن القوات الإسلامية كان لها رأي آخر غير رأي قادتها السفهاء، فانضمت إلى الجيش المصري وأبت أن تقاتل إخوانها المسلمين، وكان لهذه الخطوة أثرها؛ فحلت الهزيمة بالصليبين حين تقابل الفريقان، وقتل منهم أعداد كبيرة وسيق الأسرى إلى القاهرة. واضطر الصليبيون إلى عقد الصلح مع سلطان مصر، وإن ظلت بأيديهم بيت المقدس وبعض القلاع التي تنازل عنها الصالح إسماعيل.
استرداد بيت المقدس
ثم لم يلبث أن نشب النزاع مرة أخرى بين الصالحين إسماعيل ونجم الدين أيوب، ووقف الناصر داود هذه المرة مع الصالح إسماعيل، واتفقا على الاستعانة بالصليبيين ضد إخوانهم المسلمين، ولم يجد الصالح أيوب قوة تقف إلى جواره غير "الخوارزمية" الذين تفرقت بهم السبل بعد انهيار دولتهم ومقتل سلطانهم جلال الدين خوارزم شاه، فاستجابوا لدعوته، وقدموا بأعداد كبيرة إلى الشام، واتجهوا إلى دمشق فوجدوها قوية التحصين فتركوها، واستولوا على طبرية ونابلس، وواصلوا سيرهم حتى دخلوا مدينة بيت المقدس في (3 صفر 642هـ= 11 يوليو 1244م) واستولوا عليها دون مقاومة، وكانت هذه آخر مرة يسترد فيها المسلمون بيت المقدس في عصر الحروب الصليبية، وظلت بأيدي المسلمين حتى سقطت في قبضة اليهود في عصرنا الحديث، وهي تنتظر الآن من يفك أسرها ويعيدها إلى حظيرة المسلمين، وندعو الله ألا يطول الانتظار ويعين من يعمل على عودتها.
حطين الثانية
وبعد أن استرد الخوارزميون بيت المقدس واصلوا سيرهم إلى "غزة" واجتمعوا مع الجيش المصري الذي أرسله الصالح أيوب لمحاربة قوات الشام ومن ناصرها من القوات الصليبية، وتقابل الفريقان في معركة غزة في (جمادى الأولى 642هـ = أكتوبر 1244م)، وكان اللقاء رهيبًا، حلت الهزيمة بالصليبيين، وقدرت خسائرهم بثلاثين ألف قتيل وثمانمائة أسير، وكانت هذه الهزيمة أضخم كارثة حلت بالصليبيين بعد معركة حطين سنة (583هـ= 1187م)، وبلغ من أثرها أن أطلق عليها "حطين الثانية".
ولم يلبث أن انفصل الجيش المصري عن الخوارزميين الذين سمح لهم "الصالح أيوب" بالاستقرار في الشام على حساب الصليبيين، وواصل سيره، فأخذ القدس والخليل ودمشق وغيرها، ثم نازل الصليبيين، ونجح في استرداد قلعة طبرية (645هـ= 1247م)، ثم استولى على عسقلان في العام نفسه، وبذلك نجح الصالح أيوب في توحيد مصر والشام تحت سلطانه بعد أن أصبحت القاهرة ودمشق وبيت المقدس في قبضة يده، ووفد عليه في دمشق ملوك البيت الأيوبي الشام لتقديم فروض الولاء والطاعة.
الحملة الصليبية السابعة
أثار استرداد المسلمين بيت المقدس حفيظة الغرب الأوروبي، وارتفعت الأصوات هناك تدعو إلى ضرورة إرسال حملة صليبية جديدة إلى مصر بعد أن ساد الاعتقاد هناك أن مصر ما دامت على قوتها وبأسها فلا سبيل إلى نجاح الحملات الصليبية واستعادة بيت المقدس من أيدي المسلمين، واستجاب لهذه الصيحات الغاضبة "لويس التاسع" ملك فرنسا؛ تحقيقًا لرغبة البابا "أنوسنت الرابع" واستجابة لندائه.
وعلم الصالح أيوب بأنباء تلك الحملة وهو في بلاد الشام، وترامى إليه تجمع الحشود الصليبية في قبرص التي تضم خمسين ألف جندي، وتذكر المصادر التاريخية أن فردريك الثاني إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة، وكانت تربطه صداقة وطيدة بالأيوبيين، هو الذي أرسل رسولاً من قبله تنكر في زي تاجر ليحذر الصالح أيوب من تلك الحملة.
وكان السلطان الصالح أيوب حين ترامت إليه هذه الأنباء مريضًا، فحُمل في محفة إلى مصر، وعسكر بجيوشه جنوبي دمياط عند بلدة أشموم طناح التي تسمى الآن أشمون الرمان بمركز دكرنس التابع لمحافظة الدقهلية، وأمر بتحصين دمياط، وأرسل إليها قوة كبيرة بقيادة الأمير فخر الدين يوسف، وأمره أن يعسكر بالبر الغربي لفرع دمياط، ليحول دون نزول العدو إلى الشاطئ، فنزل هناك تجاه المدينة، وأصبح النيل بينه وبينها.
وصل الأسطول الفرنسي إلى المياه المصرية أمام دمياط في (20 صفر 647هـ= 4 يونيو 1249م)، وفي اليوم التالي نشبت معركة حامية على شاطئ البحر؛ لمنع الصليبيين من النزول إلى البر على الضفة الغربية من النهر، غير أن الأمير فخر الدين انسحب بجنوده المكلفين بحماية المدينة إلى المعسكر السلطاني بأشموم طناح، ولما رأى أهالي دمياط انسحاب الحامية فروا مذعورين تاركين الجسر الذي يصل بين البر الغربي ودمياط قائمًا، فعبر عليه الصليبيون واحتلوا المدينة بسهولة، وهكذا سقطت دمياط في أيدي الصليبيين.
ولما استقبل الصالح أيوب هذه الأنباء غضب غضبًا شديدًا، وأنب الأمير فخر الدين على تهاونه وضعفه، واضطر إلى نقل معسكره إلى مدينة المنصورة، واستمر وهو على فراش المرض ينظم شئون جيشه، في الوقت الذي مكث فيها لويس التاسع في دمياط دون أن يواصل زحفه إلى القاهرة، ولما تحركت قواتهم من دمياط توفي الصالح أيوب في يوم السبت الموافق (12 شعبان 647هـ= 20 نوفمبر 1249م)، وواصلت سيرها في فرع النيل توفي الصالح أيوب في ليلة النصف من شعبان (647هـ=23 من نوفمبر 1249م) فقامت زوجته شجرة الدر بتدبير شئون الدولة بعد أن أخفت خبر وفاته حتى لا تحدث فتنة بين صفوف المسلمين، حتى قدم ابنه توران شاه وتولى قيادة الجيش، وتمكن من تحقيق النصر بمعاونة مماليك أبيه.
شخصية الصالح أيوب
باب المدرسة الصالحية
اشتهر الصالح أيوب بأنه كان مهيبًا عزيز النفس، كثير الصمت، شديد الميل إلى العزلة، على قدر من الكفاية والتدبير والهمة العالية، غير أنه كان ذا سطوة على أصحابه من أمراء دولته متعاظمًا عليهم، ويعده بعد المؤرخين أنه أعظم سلاطين الأيوبيين بعد صلاح الدين.
والصالح أيوب هو أول من أكثر شراء المماليك الترك، وجعلهم أمراء دولته وأهم عناصر جيشه، وألف منهم حرسه والمحيطين به، ومن أجلهم شيد قلعة الروضة على النيل، فاستمدوا منه اسمهم الذي عرفوا به "المماليك البحرية" الذين أقاموا دولتهم بعد مقتل ابنه توران شاه.
ويذكر المؤرخون أنه كان يميل إلى تشييد العمائر والمباني؛ فأقام في مصر مدينة عسكرية أطلق عليها اسم الصالحية، تقع على طرف الصحراء التي تفصل مصر عن الشام، وصارت مركزًا لحشد الجند، وشيد قصورًا عديدة، لكن لم يبق منها شيء.
على أن أثرًا واحدًا من آثار هذا السلطان لا يزال جانب منه قائمًا، هو مدرسته المعروفة بالصالحية، وهي أول مدرسة تجمع بين مذاهب السنة الأربعة، وشيد بها مقبرته.
* من مصادر الدراسة:
- ابن واصل الحموي: مفرج الكروب في أخبار بني أيوب – تحقيق حسنين محمد ربيع – مطبعة دار الكتب – 1977م.
- ابن أيبك الدواداري: كنز الدرر وجامع الغرر – تحقيق سعيد عبد الفتاح عاشور- الجزء السابع – القاهرة – 1391هـ= 1972م.
- السيد الباز العريني: مصر في عصر الأيوبيين – مطبعة الكيلاني الصغير – القاهرة – 1960م.
- سعيد عبد الفتاح عاشور: الأيوبيون والمماليك في مصر والشام – دار النهضة العربية – القاهرة – 1990م
تاتو- المساهمات : 60
تاريخ التسجيل : 03/02/2008
رد: الصالح أيوب.. وحطين الثانية
صلاح الدين الايوبى رجل عظيم
mohamedahlawy- المدير
- المساهمات : 161
تاريخ التسجيل : 07/12/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى